لقمان الحكيم كان عبداً فقيراً، رث الهيئة، مسكيناً من نظر إليه ربما احتقره، أشعث أغبر وكان يعيش في بلاد تسمى النوبة في جنوب مصر، من سودان أهل مصر، وكان رجلاً أفطس كبير الشفتين قصيراً، وكان مشقق الرجلين.
كان لقمان الحكيم يعيش حاله كحال الناس، لكن الله عز وجل قذف في قلبه علماً كبيراً. حتى اختلف أهل العلم من قبل، هل هو نبي من الأنبياء، أم عبد صالح من عباد الله؟ وقد أجمع جمهور العلماء على أنه عبد صالح من أعبد الناس في زمنه كما أعطاه الله حكمة وملأ قلبه علماً.
قصة لقمان الحكيم مع سيده
كان لقمان الحكيم عبدا عند مولاه، فطلب منه مولاه أن يذبح له شاة، فذبحها، ثم قال له مولاه وهو يسلخها: أخرج لي أطيب مضغتين فيها، فقطع لقمان اللسان وأستخرج القلب وأعطاهما إياها.
قال له مولاه: ما هذا؟ قال لقمان الحكيم: اللسان والقلب؟ ثم مرت الأيام، فقال السيد للقمان: يا لقمان اذبح لي شاة، فذبح له لقمان شاة، فقال له سيده: أخرج لي أخبث مضغتين فيها! فأخرج لقمان اللسان والقلب واعطاهمل لسيده، فقال ماذا تفعل؟ لقد طلبت منك منذ أيام أطيب مضغتين فأخرجت اللسان والقلب، وطلبت منك اليوم أخبث مضغتين فأخرجت اللسان والقلب. قال لقمان الحكيم: نعم هما أطيب مضغتين إذا طابتا، وهما أخبث مضغتان إذا خبثا.
صفات لقمان الحكيم
ولقد آتينا لقمان الحكمة، كان قليل الكلام وكثير الصمت، لكن إذا تكلم لا ينطق إلا بالحكمة. وقد ذكر في بعض الآثار والله أعلم من صحتها، أنه خير بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة: قال أخاف أن لا أكون أهلا للنبوة إن صح الخبر.
كانت الناس كلها تسمع بحكمة لقمان، والكل يعرف أنه أحكم أهل زمانه. ترقى في العبادة، وفي العلم، والحكمة. حتى إنه في يوم من الأيام رآه رجل، فقال له: ألست أنت الذي كنت عبدا لفلين. قال لقمان الحكيم: نعم، حتى أنعم الله علىِ.
قال: وبما أنعم عليك ربك؟
قال لقمان الحكيم: عفا لساني، وغضي بصري، وتركي لما لا يعنيني.
حتى إن لقمان كان يقول للناس: تعلموا العلم لا لتجادلوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء. وكان يوصي الناس ويقول لهم: اجلسوا في مجالس العلماء فإنهم إما أن تستفيدوا منهم علما، أو تنزل عليكم الرحمة ولا يشقى بهم الجليس.
قصة وصايا لقمان لابنه
كان للقمان الحكيم ابن، وكان يحرص على أن يربي هذا الابن ويعظه كثيرا، وقد كانت أول وصية من وصايا لقمان لابنه هي عدم الشرك بالله، فلقد قال له: يا بني إذا أردت أن تنجو من عذاب الله عز وجل لا تشرك مع الله أحدا، لأن الشرك ظلم عظيم.
أمر بالمعروف، شجع الناس على الخير كن داعيا كن آمرا بالمعروف. وأنهى عن المنكر، علم الناس كيف تتخلص من عاداتهم السيئة المنكرة. واصبر على ما أصابك، سوف تأتيك ابتلاءات إن ذلك من عزم الأمور.
لا تصعر خدك للناس مثل هؤلاء المتكبرين الذين يلتفتون كأنهم لا يرون أحدا أمامهم. ولا تمشي في الأرض مرحا، يعني لا تمشي متكبراً، كأنك تملك شيئاً لا يملكه غيرك.
لأن الله يبغض المتكبرين، والمتكبر يأتي يوم القيامة مثل النمل يطأه الناس في المحشر. ولقد وصى لقمان ابنه بالتواضع، وأمره بحسن الخلق، واحترام الناس. وبين له أن الاحترام لا يتم بناء على اللون والشكل والنسب والأصل والفصل، بل عن طريق احترام خلق الله عز وجل.
ثم أكمل لقمان الحكيم الوصايا لابنه قائلا له: واقصد في مشيك، حتى مشيتك كن معتدلا فيها لا تسرع ولا تبطيء. واغضض من صوتك، لا ترفع صوتك على الناس لكي لا تتشبه بأنكر الأصوات وهو صوت الحمير، الذي يبغضه الناس بسبب علوه.
مثقال حبة من خردل في البحر
في يوم من الأيام، كان لقمان راكبا مع ابنه سفينة في البحر، فجاء ابن لقمان الحكيم إلى أبيه لقمان فسأله سؤالا فيه نوع من الضعف، فقال: يا أبي لو رميت هذه الصخرة في البحر الآن، وهذه الأمواج المتلاطمة، أيعلم الله عز وجل مكان الصخرة في ظلام الليل تحت ماء البحر.
قال لقمان لابنه: يا بني حتى وإن كانت مثقال حبة من خردل موجودة داخل جوف صخرة، أو في السماء العالية، أو في جوف الأرض السابعة، وليس فقط مجرد صخرة رميتها بين أمواج متلاطمة في البحر يأتي بها الله تعالى.
خاتمة لقصة لقمان
غرث لقمان الحكيم في قلب ابنه كل ما يحتاج إليه من زاد، ليسلك به طريق الهدي. فقد قال له، يا بني راقب الله جل وعلا، والله لو كنت داخل صخرة، والله لو كنت في السماوات لو كنت داخل الأرض ليأتي الله بك وبأعمالك، ويعلم الله بك وبحبة الخردل سواء صغرت أم عظمت.
من الحكم قصة لقمان الحكيم، قصة وإي قصة تاريخ، وإي تاريخ؟ كلما مررنا على سورة لقمان، نتذكر أن الحكمة لا علاقة لها بلون الإنسان ولا بأصله ولا بفصله، فإن الله عز وجل رفع أقواما وخفض آخرين "أكرمكم عند الله أتقاكم".