قصة هابيل وقابيل هي إحدى أشهر قصص القرآن الكريم المثيرة للاهتمام، والتي بدأت مع بدء الخليقة، وانتهت بقتل الأخ قابيل لأخيه هابيل بسبب الغيرة والحسد. ولكن ما سبب هذه الغيرة التي دفعت قابيل ليتحول إلى وحش كاسر، حتى فتك بأخيه الطيب هابيل؟ هذا ما سنعرفه في قصة هابيل وقابيل.
قصة هابيل وقابيل: بداية العداوة بين الشيطان وبني آدم
عندما خلق الله جل جلاله سيدنا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مر به إبليس فقال: "لَوْ سَلَّطَ عَلَى لَأَعْصِينِكَ، وَلَوْ سَلَّطْتَ عَلَيْكَ لَأَهْلِكِنَّكَ". لتكون هذه بداية الصراع القائم إلى يومنا هذا بين الإنسان والشيطان.
عندما أمر الله إبليس بالسجود لسيدنا آدم، رفض أن يسجد له حقداً وحسداً، فلما هبط آدم عليه السلام إلى الأرض هبط معه إبليس وأصبحا عدوين. ثم بدأ إبليس بزراعة الأمراض في نفوس بني آدم، ليبدأ بتنفيذ وعده لله، فبدأ بقابيل. قال تعالى:
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) سورة الأعراف.
ولادة هابيل وقابيل
عندما هبط آدم وزوجته حواء إلى الأرض لعمارها، كانت تضع في كل بطن ذكرًا وأنثى، فولد مع هابيل توأم بنت، ومع قابيل توأم بنت. فشرع الله تعالى لكل منهما أن يتزوج بتوأم الآخر، ليبدأ أول صراع بين الخير والشر.
كان هابيل هو الخير له قلب طيب، بينما كان قابيل رأس الشر يمشي وراء الهوى وحب النفس. عندما سمع قابيل ما قاله له هابيل على لسان سيدنا آدم، غضب، وقال له: "ارجع إلى أبيك وأخبره أن قابيل لن يتزوج إلا توأمه الجميلة".
وعندما عاد هابيل إلى قابيل قال له: "لقد أمرنا أبانا أن نقدم قربانين إلى الله تعالى، والقربان الذي سيتقبله الله، صاحبه سيكون رأيه هو الصحيح".
قربان هابيل وقابيل
أخذ كل من الأخوين قربانا وصعدا به إلى الجبل، قدم هابيل أثمن كباشه، بينما قدم قابيل حفنة من العشب اليابس. تقبل الله قربان هابيل لأنه كان على حق، بينما اشتعلت نار الغيرة والحسد والكبر في نفس قابيل.
توعد قابيل هابيل بالقتل فقال له: "القتل ثم القتل! لأقتلنك يا هابيل"، فقال له هابيل: "إن بسطت إلي يدك لتقتلني فلن أبسط أنا إليك يدي لأقتلك، لأني أخاف الله رب العالمين". كما ذَكَّر هابيل أخاه قابيل بجزاء الظالمين (النار).
لم يتعظ قابيل من قول أخيه الطيب له، وكتم في نفسه الحقد والغل والحسد، ولم يخشَ الله. مشى قابيل وراء النفس الأمارة بالسوء. فحين تطغى النفس وتستولي على صاحبها، فإنها تتركه "لا يسمع ولا يفهم ولا يرى ولا يدرك". وإنما يظل ما في داخله يدور دوما في داخله.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) سورة المائدة.
كيف قتل قابيل هابيل؟
بالفعل نفذ قابيل وعده ووعيده لهابيل فقتله بفك حمار. وعندما أدرك قابيل أن أخاه قد مات، أراد أن يوارى جثته، فخاف أن يتركها في العراء فيراها أبوه آدم! فحملها على ظهره وأخذ يبحث عن مكان يواريه فيه. أخذ قابيل يبحث ويبحث حتى يئس.
ولكن الله الرحيم يرحم كل عباده، بما فيهم عبده العاصي الآبق. أراد الله أن يرحم قابيل من حمل جسد هابيل على ظهره طوال عمره.
كيف دفن قابيل هابيل؟
بعث الله تعالى غراباً ليعلم قابيل كيف يواري سوءة أخيه. حفر الغراب حفرة في الأرض ودفن أمامه غراباً آخر، فقال قابيل لنفسه: "يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل ذلك الغراب فأدفن أخي تحت التراب مثلما فعل ذلك الطائر؟". ليندم قابيل على فعلته، ولتكون جريمته هي أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، ليكون هو من سن هذه السنة على بني آدم.
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) سورة المائدة.
العبرة هي من قصة هابيل وقابيل
أولاً: الحسد والغل والحقد من الصفات السيئة التي تودي بصاحبها إلى الهلاك.
ثانياً: هذه القصة من أنباء الغيب، فكيف كان للرسول الأمي محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يعرفها لولا أن هذا الكتاب منزل من عند الله تعالى؟
ثالثاً: الخير والشر موجودان معنا منذ بداية الخلق، وهما في صراع دائم حتى قيام الساعة، ومهما طال الشر، فلا بد للخير أن ينتصر عليه.