أسباب سقوط الأندلس باختصار: دروس من نهاية حضارة عظيمة
فتح المسلمون بلاد الأندلس في عام سبعمائة وأحد عشر ميلادي الموافق للعام الثاني والتسعين هجريا، على يد الفارس المسلم طارق بن زياد. بني المسلمون في الأندلس حضارة ذاع صيتها أن ذاك، في السابق كان من يريد الحصول على علم يذهب لأخذه من علماء الأندلس. لكن ما هي الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس؟ وكيف خسر المسلمون حضارة بنوها وامتدت جذورها عبر التاريخ لأكثر من ثمانية قرون؟ هذا ما سنتعرف عليه في موضوعنا عن أسباب سقوط الأندلس.
![]() |
لحظة وداع حزينة لأبو عبد الله الصغير أمام قصر الحمراء. |
أسباب سقوط الأندلس باختصار
هناك العديد من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى سقوط الأندلس من يد المسلمين، ولكن هناك ثلاثة كانت شائعة جدا وهي:
1. انتشار المجون والمخدرات بين أبناء الشعب.
2. ظهور أمراء الطوائف وتقسيم الأندلس.
3. تدخل النساء في الحكم بسبب الغيرة.
1. أمراء الطوائف وتقسيم الأندلس
كانت بداية تقسيم الأندلس بصراعات العرب والبرابرة على تولي مقاليد الحكم، تزامن ذلك مع سقوط الدولة الأموية في بلاد الشرق في عام مئة واثنين وثلاثين من الهجرة، والموافق للعام سبعمائةٍ وخمسين من الميلاد.
وبعد مرور أقل من مئتي عام وبالتحديد في سنة ثلاثمائةٍ وستة عشر هجرياً والموافق لتسعمائةٍ وتسعةٍ وعشرين ميلادياً، قام الأمير عبدالرحمن الناصر لدين الله بتحويل إمارة الأندلس إلى خلافة، بسبب ضعف الخلافة العباسية وخوفاً من إعلان خلافة الفاطميين الشيعية بأفريقيا.
ليبدأ انهيار الدولة الأموية بشكل تام في الأندلس، تزامنا مع انقلاب الحاجب المنصور على الخليفة الطفل هشام المؤيد بالله. كما كان هناك خلاف حاد لتولي السلطة بين أبناء العم، الأميرين محمد بن هشام وسليمان ابن الحكم والتي كان لزوجته يد كبيرة في سقوط الأندلس.
كان سليمان ابن الحكم ينفذ خطة زوجته لتولي مقاليد الحكم، كما كان البرابرة يدعمونه للوصول لهدفه، كل هذه الأسباب وغيرها أدت في نهاية الأمر لانهيار حكم الدولة الأموية نهائياً للأندلس، في سنة أربعمائة واثنين وعشرين هجريا والموافق لسنة ألف وواحد وثلاثين ميلادي.
لينتشر بعد ذلك ملوك الطوائف، وتصبح خلافة الأندلس الواحدة اثنتين وعشرين خلافة، كل واحدة تنسب لنفسها أحقية حكم البلاد. ليس ذلك كل شيء، فلقد أصبح ملوك الطوائف ألعوبة بيد ملوك النصارى يستعينون بهم ضد بعضهم البعض، ويدفعون الجزية لهم لإرضائهم، حتى أصبح حلم ملوك الطوائف اتفاقية على ورق، تضمن له البقاء جالسا على كرسيه، وتخلصه من كل ما يخلفه.
انتشار المجون والمخدرات بين أبناء الشعب
استعان حكام الطوائف بطبقة من رجال الدين، التي كانت وظيفتهم إفتاء وشرعنة كل قرارات حاكمهم. ذلك الحاكم الغارق بكل ما لذ وطاب من خمور ونساء وجواري، ناسيا أمر شعبه الغارق بالفقر والجهل. لتتحول الأندلس من منارة العلم إلي وحل لأصحاب الكيف.
![]() |
لحظة دخول الجيوش القشتالية إلى غرناطة وانتهاء الحكم الإسلامي للأندلس. |
مراحل سقوط الأندلس
1. سقوط بامبلون: في العام سبعمائةٍ وثمانيةٍ وأربعين ميلادي، انتزع الصليبيون مدينة بامبلون من يد المسلمين.
2. سقوط برشلونة: أسقط الصليبيون مدينة برشلونة بتاريخ تسعمائةٍ وخمسةٍ وثمانين ميلاديا.
3. سقوط سانتياجو: بعد سقوط مدينة برشلونة باثني عشر عاما انتزع الصليبيون مدينة سانتياجو من المسلمين.
4. سقوط مدينة ليون: حدث ذلك بعد سقوط سانتياجو بخمسة أعوام.
5. سقوط مدينة سلمنقة: في العام ألف وخمسةٍ وخمسين للميلاد سقطت مدينة سلمنقة بيد الصليبيين.
6. سقوط مدينة قلمرية: في العام ألف وأربعة وستين من الميلاد.
7 سقوط مدريد: نعم لقد سقطت مدريد أيضا بيد الصليبيين في العام ألف وأربعة وثمانين من الميلاد.
8. سقوط مدينة طوليتلا: قام ملك قشتالة ألفونسو السادس بانتزاع مدينة طوليتلة من المسلمين في سنة ألف وخمسةٍ وثمانين من الميلاد.
دخول المرابطين الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين
بعد سقوط طليطلة بأيدي الصليبيين وارتكاب أفعال شنيعة بأهلها من المسلمين، عقد ملوك الطوائف أخيرا اجتماعا لعلهم يجدون سبيلا يحمون بيه كراسيهم. لم يجتمع ملوك الطوائف وحدهم، بل كانت اختلافاتهم حاضرة أيضًا، فقام المعتمد ابن عباد باقتراح يدعوان إلى الاستعانة بيوسف ابن تاشفين أمير المرابطين بالمغرب.
فقام أغلب ملوك الطوائف برفض ذلك الاقتراح، ليقول المعتمد جملته التي سطرها التاريخ: والله إن قمت برعاية جمال بن تاشفين خير لي من أن أرعى خنازير الأذفونش. في نهاية الأمر وافق ملوك على الاستعانة بابن تاشفين أمير المرابطين بالمغرب.
دخل المرابطون الأندلس وواجهوا الصليبيين في أول معركة لهم سميت باسم معركة سهل الزلاقة في العام ألف وستةٍ وثمانين ميلادي الموافقي لأربعمائة وتسعةٍ وسبعين من الهجرة، حيث سحق المرابطون جيوش الصليبين. بالرغم من عدم استطاعة المرابطين استعادة طليطلة من الصليبين، إلا أنهم أعطوا أملا للمسلمين في العيش بالأندلس لبضع مئات من السنين.
ولكن مع قيام الثورة في المغرب العربي، وفشل المرابطين في الدفاع عن مدينة سرقوسة أمام الصلبين، لينتهي حكم المرابطين ويذهب إلى حكم الموحدين الذئ انهار في ألف ومئتين واثني عشر ميلادياً، ليعود أمراء الطوائف إلى كراسيهم حتى سقوط الأندلس كلها.
آخر حكام الأندلس
كان للنساء دور كبير في انهيار الأندلس، فهناك اسم يُذْكَر كسبب من أسباب سقوط الأندلس وهو عائشة المستبدة أم آخر حكام الأندلس، والتي تنسب إليها مقولة شهيرة: أبكي كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
كانت الأم تتحكم بابنها بشكل تام، غير أن المؤرخين اختلفوا في السبب الحقيقي الذي دفع الأم لجعل الابن ينقلب على والده أبي الحسن، فمنهم من رأى أن الأب جعل ابنه يشهد مجزرة بشعة في قصر الحمراء عندما دعا بنيس الراج أصحاب النفوذ الكبير في غرناطة إلى وليمةٍ بذريعة عقد الصلح ثم أمر بقتلهم جميعاً.
ولكن أكثر المؤرخين اتفقوا على أن غيرة النساء هي السبب، فلقد تزوج أبو الحسن فتاة نصرانية بسن الثانية عشر، ليشتعل غضب زوجته عائشة أم عبد الله، وبعد أن بلغ ابنه عبد الله سن العشرين سنة قام بالانقلاب على حكم والده وأعلن نفسه أميرا على غرناطة، بذريعة إطفاء غضب الإسبان الذي كان يرفض أبا الحسن دفع الجزية لهم، كما أن عائشة استغلت غضب أبناء الشعب من زواج ملكهم بمسيحية.
![]() |
مشهد مؤلم لعائلات أندلسية تجبر على مغادرة أرضها. |
أبكي كالنساء ملك لم تحافظ عليه كرجال
عائشة المستبدة رغم أن مصادر تاريخية نفت حديثة بكاء آخر حكام الأندلس أبي عبدالله الصغير ونهر أمه عائشة له، بقولها: أبكي مثل النساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال. إلا أن المصادر نفت بكاء آخر أمراء الأندلس.
لطالما وقف المؤرخون كثيراً أمام حاكم غرناطة آخر ملوك الأندلس المسلمين أبو عبدالله محمد الثاني عشر، الذي ولد في قصر الحمراء سنة ألف وأربعمائة وتسعةٍ وخمسين، لقب نفسه الغالب بالله، بينما سماه الإسبان الصغير وأبو عبديل، فيما لقبه أهل غرناطة بالزغابي أي المشؤوم أو التعيس، وهو ابن أبي الحسن علي بن سعد الذي خلعه من الإسبان من الحكم وطرده من البلاد عام ألف وأربعمائة واثنين وثمانين بعد رفضه دفع الجزية لفرناندو الثاني ملك أراجون.
كما كان يفعل ملوك غرناطة السابقين خلال حكم أبي عبدالله الصغير غرناطة وعمره خمسةٌ وعشرون عاماً ،كانت الأندلس قد انكمشت من جهة الجنوب إلى مملكتين، هما مملكتا ملقا وغرناطا، رافقه سوء الحظ بإعلان زواج فرناندو وإيزابيلا، وأدائهم القسم الشهير بإزالة أي أثر لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وإخراج كل أجنبي من إسبانيا.
قبل أن يهاجم الإسبان ملقا ليستولوا عليها ويبيدوا من كان بها من المسلمين، ما جعل عبدالله الزغبي عم الصغير يحشد جيوشاً ويهاجم الإسبان، فتمكن من الانتصار عليهم بمعركةٍ صغيرة أعطى من خلالها المسلمين الأمل في استمرار دولتهم، حينها حاول أبو عبدالله الصغير وقد ظاهرة أبي عبدالله الزغل كبطلٍ شعبي بغزو قشتالا عاصمة فرناندو إلا أنه هزم وأسر في لوسين عام ألف وأربعمائة وثلاثةٍ وثمانين، ولن يفك أسره حتى وافق على اتفاقيةٍ سرية تقضي أن تصبح مملكة غرناطة تابعة لفرناندو وإيزابيلا ملوك قشتالة وأراغون.
وبعد خروجه من الأسر قضى العوام التالية في الاقتتال مع أبيه أبي الحسن وعمه أبي عبدالله محمد الزغل، حتى سقوط غرناطة. في عام ألف وأربعمائة وتسعةٍ وثمانين استدعى فرناندو وإيزابيلا أبا عبدالله الصغير لتسليم غرناطة إلا أنه رفض ما حد بالملك والملكة حصار المدينة ما أجبر أبا عبدالله الصغير على توقيع اتفاقٍ ينص على تسليم غرناطة.
ورغم رفض المسلمين لهذه الاتفاقية ومحاولة خروج أهالي غرناطا للقتال، لكن أبا عبدالله أوقف حملات القتال ووُقِّعَت اتفاقية عام ألف وأربعمائة وواحد وتسعين التي تنص على تسليم المدينة، وتسريح الجيش، ومصادرة السلاح. وفي يناير من عام ألف وأربعمائة واثنين وتسعين سلم أبو عبدالله مفاتيح غرناطة درة التاج الأندلسي لإيزابيلا وفرناندو، وقال لهما: هذه مفاتيح الفردوس قبل أن يغادر المدينة مع والدته عائشة.
زفرة العربي الأخيرة من الأندلس
انقياد الصغير وراء حكم أمة جعل المؤرخين يبالغون في تشويه صورته عبر التاريخ، ليظهر دائماً بمظهر الأمير الجبان والضعيف الذي كان سببا في سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس. كما قام المؤرخون الأوربيون بتزيف حتي شكله ومظهره في لوحة استسلام غرناطة، حيث رسم الرسام أبا عبد الله وهو يسلم مفاتيح غرناطا لإيزابيلا وفرناندو بصورة شخص نحيل له لحية شعثاء يلبس ثيابا عادية وليس ثياب الملوك.
بالرغم من أن المصادر التاريخية قد أجمعت على وسامة وقوة بنية أبي عبدالله ووسيم الشكل، كما لم يسلم سكان الأندلس في الصورة من الإهانة، فلقد ظهروا بهيئة سجية، كما أظهرت الصورة الملك والملكة وجنودهم في أجمل الصور بالرغم من تجاهل ذكر الصورة لآخر مرة استحموا فيها.
لم يكتف المؤرخون الإسبان من إهانة مسلمي الأندلس بالصورة فقط، بل أطلقوا اسما على مكان وقوف أبي عبد الله "زفرة العربي الأخيرة". وبالرغم من السجال القائم على بكاء آخر أمراء الأندلس عندما سلم مفاتيح غرناطة، ولكن اتفقت المصادر ذاتها على انقياد الصغير وراء أمه، ليسلم مفاتيح الفردوس إلى فرناندو وإيزابيلا بدون مقاومة تذكر.
بالرغم من ذلك لم ينكر أي مصدر حقيقة أن آلاف المسلمين تعرضوا بالأندلس بعد سقوطها إلى أسوأ مجازر القتل والذبح والتعذيب في التاريخ، فيما عرف باسم محاكم التفتيش. فهل أغنت عنهم العنصرية والقبلية ولكم اليوم في تقسيم الدول العربية أكبر مثلاً على قرب هلاكنا.